بقلم بونوا برانغيه الأحد, 09/12/2012
قبل الربيع العربي، كانت وسائل الإعلام القليلة التي تتناول الشأن اليمني تستخدم مصطلحات سلبية تتحدث عن الملشيات المتشددة على الأرض، لكن الثورة التي انطلقت في يناير/كانون الثاني 2011 خلقت اهتماما جديدا بالبلاد، وجذبت اهتمام الكثير من وسائل الإعلام الدولية لها.
عند اندلاع المظاهرات المعارضة للنظام، كان عدد الصحافيين الأجانب داخل البلاد قليلا جدا، كما تمكن القليلون من دخولها لتغطية الأحداث هناك، حيث تحول عمل المراسلين إلى مغامرة مليئة بالتحديات والمفاجآت.
الدخول والإقامة والمغادرة
نظريا، فإن وزارة الإعلام اليمنية هي المسؤولة عن تنظيم دخول وخروج وحركة الصحافيين داخل البلاد، وعلى الراغبين من ممثلي وسائل الإعلام في دخول الدولة الحصول على تأشيرة صحافية أو التسجيل لدى الوزارة كمراسلين، لكن نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان أوقف هذه الإجراءات منذ مدة طويلة، والصحافيون كانوا يدخلون اليمن بتأشيرات سياحية أو على أنهم رجال أعمال أو طلاب.. و"ليس هناك خيار آخر إذا أردت البقاء في اليمن أكثر من ثلاثة أشهر"، كما تقول إيونا كريغ وهي صحافية مستقلة تعمل في اليمن منذ العام 2010 .
في مارس/آذار من العام 2011 قامت السلطات اليمنية بترحيل أربعة صحافيين، أمريكيين وبريطانيين، بحجة دخول البلاد بطريقة غير قانونية، حيث كانوا يحملون تأشيرات دخول طلابية. فقررت السلطات أن دخولهم للبلاد بهدف مراسلة وسائل الإعلام الأجنبية غير شرعي وقامت بترحيلهم.
أوليفر هومز، الذي أصبح فيما بعد مراسلا لـصحيفة "التايم" الأمريكية في اليمن قبل انتقاله إلى بيروت، كتب في مدونته أنه كان معتمدا لدى وزارة الإعلام و"كان يتم استدعائي لتغطية عدد من الفعاليات الرسمية".
هذه الحادثة تظهر نفاق النظام وأن القانون سلاح ذو حدين، حيث تتغاضى السلطات أحيانا عن وجود الصحافيين على الأرض، وتتحجج بالقانون لطردهم عند الضرورة. فهناك مراسلون آخرون لا يحملون تأشيرات ولا اعتمادا صحافيا يمارسون أعمالهم دون أدنى مضايقات، كما تقول الصحافية الأوروبية ساره التي عملت في اليمن عدة سنوات: "لم أتعرض لمضايقات من قبل السلطات رغم أني عملت أكثر من ثلاث سنوات بشكل غير قانوني وبتأشيرة عادية".
"وعلاوة على ذلك، فإن الفساد الذي كان مستشريا في البلاد يجعل الإجراءات القانونية مكلفة بالنسبة للصحافيين الشباب المستقلين" وفق الصحافية الأوروبية الأخرى نادية التي كانت تعيش في صنعاء التي تقول: "آخر مرة احتجت فيها لتصريح خروج (إجراء خاص للمقيمين الأجانب في اليمن) لم تكن لدي الأوراق الكافية، وأعتقد أن كافكا إذا أراد تكملة كتابه المشهور فعليه التوجه إلى إدارة الهجرة والجوازات في اليمن".
رجال الأمن ..أعداء الصحافة
العلاقة بين رجال الأمن والصحافيين لم تكن أبدا على ما يرام، وقد لخصها مصور بريطاني قائلا: " في الحالات الخطرة، أميل إلى الهرب بدل التوجه إلى رجال الشرطة طلبا للحماية.. ا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم خصوصا عندما يكونون في مواجهة كاميرات التلفزيون".
أما الصحافي جيب بون ، فيصف تلك العلاقة قائلا: "خلال أحداث الثورة، أو عند حدوث صدامات بين فصائل مختلفة من الجيش، يتعرض الصحافيون للتهديد والاعتقال أو الابتزاز لدفع مبالغ مالية مقابل حصولهم على الحرية".
وما زال بون يتذكر كيف اعتقله أفراد من قوات الأمن خلال إحدى المظاهرات وصادروا كامرته وقاموا باقتياده إلى جهاز صراف آلي بالقوة لسحب مبلغ مئة دولار من حسابه ودفعها لهم بدل إيداعه السجن.
"حالات العنف هذه ولدت شعورا بالخوف أو الخشية كلما كنا على الأرض"، حسبما قالت الصحافية ناديه التي أشارت إلى أنه "عندما أذهب إلى أو أعود من فعالية ما فإنني أظل طوال الطريق أتحسس أكتافي لأتأكد من أنه لا يوجد جندي".
وأضافت: "لقد صاحوا علي وأخذوني إلى داخل السيارة وضربوني وصادروا كامرتي وحاولوا سرقتها، كما قاموا بإغلاق الطريق لمنعي من قول الحقيقة. هذه التصرفات دفعت الصحافيين إلى وضع نوع من الرقابة الذاتية على أنفسهم، أغلبهم اختاروا الابتعاد عن تناول موضوعات بعينها، أو التواجد في مناطق محددة من اليمن خوفا من الترحيل. شخصيا، استخدمت اسما مستعارا في مرات عدة عندما أتناول مواضيع وقضايا أشعر بأنها قد تكون حساسة".
البيئة المعقدة
غياب المصادر المستقلة يعتبر واحدا من أبرز العوائق التي تقف أمام تغطية إعلامية مناسبة للأحداث في اليمن. فأغلب وسائل الإعلام اليمنية تتبع أحزابا سياسية أو مجموعات معينة أو حتى قد تكون شخصية ولا تمتلك أجندات محددة. بينما يتم عادة استهداف القلة القليلة من الصحافيين المستقلين، ولا يسمع عنهم إلا القليل. كما أن الحواجز المتشددة التي تضعها أغلب الأحزاب في البلاد تمنع الصحافيين من الوصول إليها للتأكد من الأنباء التي تصلهم، فالأجنبي الذي يريد مغادرة العاصمة عليه أولا الحصول على تصريح بذلك، وليس بالأمر السهل عادة الحصول على تصريح للانتقال من منطقة إلى أخرى.
وفي هذا الصدد تقول إيونا كريغ: "سافرت عدة مرات وأنا أضع النقاب لتجنب الإيقاف، بعد فشلي في الحصول على تصريح من السلطات". بينما تلفت ناديه إلى أنه "يجب أن أتحلى بقدر من الذكاء.. لسوء الحظ أعرف صحافيين دفعوا أموالا للقاعدة لتسهيل الوصول إلى مناطق محددة ".
الأوضاع الأمنية في الدولة صعبة، رغم تعمد المبالغة فيها من طرف بعض وسائل الإعلام، فوجود ميلشيات للمتشددين في الجنوب والغارات الأمريكية – اليمنية المتواصلة عليها، وحالات الاختطاف التي تتم أحيانا ، كلها تحديات تقف أمام التغطية الكافية لأوضاع البلد.
لا توجد شفافية في اليمن، ولا توجد إمكانية للحصول على إحصائيات، مما يعقد عمل الصحافيين هناك، كما أن الشائعات التي بدأت تنتشر بسرعة، وخصوصا مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي (يدعمها البعض ويرفضها آخرون) جعلت من الصعب التأكد من دقة المعلومات.
وعوضا عن ذلك، فإن مسؤولي النظام ظلوا قادرين على الوصول إلى الصحافيين الأكثر مصداقية من البقية بسبب عملهم لحساب وسائل إعلام دولية. فعلى سبيل المثال، يمكن للمراسل الشاب غيرلا التابع بشكل دائم لإحدى المنظمات الحصول على مقابلات صحافية مع سياسيين بارزين.
وأخيرا، فإن تعقيدات السياسة اليمنية تمثل تحديا يوميا للصحافيين الأجانب الذين يجب أن يدرسوا بتعمق تاريخ البلد لفهم وتفسير الأحداث هناك.
نحو مستقبل أفضل
كما هو واضح، فإن الانتهاكات ضد الصحافة ليست شيئا مقارنة بما يواجهه الصحافيون اليمنيون الذين يقعون ضحايا الاعتقال التعسفي والضرب والإهانة وحتى التعذيب. لكن منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ، قامت وزارة الإعلام باستبدال وإصدار بطاقات صحافية رسمية مما يجعل الأمور تبدو أسهل حاليا، إلا أن تأشيرات الصحافيين ما زالت محدودة. فيما يعتبر الدعم الشعبي الثابت للصحافيين الأجانب مصدر أمل لتحسين أوضاع الإعلام في اليمن، كما تقول ناديه التي تؤكد أن اليمنيين يقدمون دعما مذهلا. عندما كان الجنود يستهدفوننا كانوا يقدمون لنا المساعدة، وساعدوا الصحافيين على الاختفاء لتجنب الغازات المسيلة للدموع والرصاص. كذلك الأمر بالنسبة لأوليفر هومز الذي قال "كنا محظوظين، طيبة اليمنيين كانت تبدد الإحساس بالظلم والعنف المستورد من الدكتاتوريات الأخرى".
وختاما، يجب تأكيد ضرورة توفير التدريب للصحافيين اليمنيين، وسد احتياجاتهم في الموضوعية والتأكد من الأخبار والمصادر، كما أن الاستثمار طويل الأجل لدعم استقلال وسائل الإعلام في الدولة قد يساعد في تحسين النظام ككل وتسهيل عمل المراسلين في اليمن.
|