بقلم نادية السقاف الإثنين, 10/12/2012

الطفرة الجديدة
شهد اليمن خلال السنتين الماضيتين طفرة غير مسبوقة في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، حيث أنه للمرة الأولى يتم إطلاق محطتين إذاعيتين خاصتين في البلاد هما إذاعة "اليمن أف أم" وإذاعة "يمن تايمز"، إضافة إلى مشاريع لإطلاق عدد من المحطات الإذاعية قريبا.
كما تضم البلاد 11 قناة فضائية تم إطلاق أغلبها في السنتين الماضيتين، أربع منها فقط تديرها الدولة والبقية فضائيات مستقلة، وهذه الفضائيات هي: الفضائية اليمنية ، اليمنية، سبأ، الإيمان، السعيدة، سهيل، أزال، المسيرة، العقيق، شباب اليمن واليمن اليوم. كما شهدت وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى إقبالا كبيرا من طرف اليمنيين، حيث ارتفع عدد مستخدمي "فيسبوك" إلى الضعف منذ العام 2010 ليصل إلى 462 ألفا و160 شخصا في الدولة التي تبلغ نسبة انتشار الانترنت فيها 3% فقط.
وعلاوة على ذلك تزايدت أعداد الصحف والمواقع الإخبارية والمدونات منذ العام 2011 بشكل كبير جدا، لكن أغلب وسائل الإعلام هذه توجهها السياسة، حتى تلك التي تتبع للقطاع الخاص منها والتي لم تكن موجودة قبل سنتين من الآن.
يتملك اليمنيين اليوم شعور بالنشوة عند الحديث عن وسائل الإعلام لأن عهد الخطوط الحمراء والرقابة التي كانت تحد من حرية الصحافة قد ولى إلى غير رجعة. فالمنظمات أو الأشخاص الذين اعتادوا دائما أن يكونوا من المضطهدين أو المحرومين من امتلاك وسائل إعلام أو حتى استخدام الفضاء الحر للتعبير عن آرائهم أصبحوا الآن يتمتعون بالحرية كما لم يكونوا من قبل.
تأثير الرقابة الصارمة التي كانت مفروضة على وسائل الإعلام اليمينة في الماضي أصبح الآن ظاهرا ، مع تزايد أعداد وسائل الإعلام، ويتجلى بوضوح في مستويات المهنية والموضوعية، فالفضاء الجديد فتح المجال أمام الصحافة الصفراء غير المهنية التي تتغذى على الفضائح والأخبار غير الموثوقة. كما أن ثمة حقيقة أخرى، وهي أن الأحزاب السياسية والمنظمات التي تمتلك أجندات معينة تستخدم الفضاء الجديد لمهاجمة منافسيها ومعارضيها وتشويه سمعتهم.
إغراءات كثيرة وفرص غير مستكشفة، لا قوانين تقليدية، مخاطر جديدة وتهديدات ومجهولة، تلك هي الصورة الجديدة للصحافة في اليمن ما بعد الثورة، والتي يمكن وصفها بأنها "أليس في بلاد العجائب".
غياب المهنية
المطلب الأول والملح لوسائل الإعلام اليمنية اليوم هو المهنية ، فأغلب وسائل الإعلام في الدولة ، وخصوصا وسائل البث الإذاعي ، كانت متعودة على إعداد المواضيع بطريقة تقليدية ومحدودة، ومفهوم الصحافة الاستقصائية غير موجود ، أما الموضوعية والتدقيق فيعتبران "ترفا".
السبب الآخر في ظهور المشاكل المهنية في الصحافة اليمنية هو ضعف المنافسة أو غيابها في الماضي، فالإذاعة كانت حتى أشهر قليلة خلت تدار من طرف الدولة بشكل تام . ومع اعتبار أن نصف سكان اليمن على الأقل أميون ، فإن الإذاعة ربما تكون وسيلة الإعلام الوحيدة التي يستخدمها كافة السكان في الدولة ، ومع تحكم السلطة فيها ، فإن المستمعين لا يملكون خيارات كثيرة ، فإما أن يستمعوا لـ"الحقائق" الوحيدة التي تبثها الإذاعة الرسمية ، وإلا فلن يسمعوا أخبارا أبدا.وسائل الإعلام التابعة للدولة لم تحظ بالفرصة الكافية لتطوير برامجها أو تحسين إنتاجها.
لكن الوضع تغير اليوم ، فأغلب المانحين في المشروعات الرئيسية يسعون لمساعدة اليمن في عملية التحول التي يشهدها من خلال دعم حرية الصحافة، إما من خلال البرامج التدريبية أو الدعم التقني والمالي أحيانا لدعم حرية الصحافة واستقلاليتها في الدولة. تحسين قدرات الصحافة المستقلة وحريتها في اليمن لن يساعد وسائل الإعلام فقط ، بل سيساهم في دعم الاستقرار السياسي والشفافية عبر إشراك المواطنين والحكم الرشيد في تعزيز إنتاج وسائل الإعلام.
المعارضة الحالية
الحالة اليمنية فريدة من نوعها ومثيرة للاهتمام حقا ، فالنسخة اليمنية من "الربيع العربي" انتهت باتفاق سياسي وقعته المعارضة والنظام السابق في العاصمة السعودية الرياض بمبادرة من مجلس التعاون لدول الخليج العربية باركتها كافة الأطراف في الداخل والخارج ، وساعدت اليمنيين على الانتقال من ساحة الصراع إلى طاولة المفاوضات، مما يعتبر إنجازا رائعا بكل المقاييس جعل من اليمن دولة رائدة في مجال حل الخلافات السياسية في المنطقة إن لم يكن في العالم أجمع.
وقد نصت المبادرة الخليجية على مجموعة من الخطوات الواجب اتخاذها خلال المرحلة الانتقالية التي تدوم سنتين ابتداء من نوفمبر 2011، وربما يمثل مؤتمر الحوار الوطني الذي سينطلق قريبا أهم تلك الخطوات التي نصت عليها المبادرة ، وسيستمر 6 أشهر ويكون من نتائجه وضع إطار عام لليمن الجديد. وسيشارك كافة اللاعبين السياسيين في الحوار ولن يكون مقصورا فقط على الأطراف التي وقعت المبادرة الخليجية، إضافة إلى أن كافة شرائح المجتمع وفئاته ستكون ممثلة أيضا (30% للنساء، 20 % للشباب ، وحوالي 7% لمنظمات المجتمع المدني).
نظريا ، فإن الشمولية أمر مهم ومطلوب لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : إذا كان الجميع مع السلطة فماذا ستكون المعارضة الحالية ؟ المعارضة مطلوبة بشكل كبير لضمان إبقاء صناع القرار والقادة على السكة. الجواب هو : المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة، فهم الأجهزة الرقابية الحقيقية في كل مجتمع ، وهم الأقوى وأكثر مصداقية واستقرارا وشفافية وفعالية من أي حكومة.
سيمثلون مجتمعاتهم واهتمامات الرأي العام خصوصا في مثل هذه الأوقات الحرجة التي سيتقرر فيها مستقبل البلاد..ولهذه الأسباب تبرز أهمية التمكين لمنظمات المجتمع المدني وتفعيل حضورها في كافة أوجه الحياة ، فمازالت تلك المنظمات تحتاج للدعم والتبني حتى تكون فاعلة في المجتمع بالشكل المطلوب، وهذا هو الوقت المناسب.
منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة بحاجة إلى كافة أنواع الدعم ، سواء التقني أو اللوجستي ، بل وحتى المساعدات المالية.
الإعلام الجديد يغري الفتيات
أغلب الفتيات اليمنيات ، خصوصا الإعلاميات ، وجدن ضالتهن في "فيسبوك" وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث تظهر إحصائيات الموقع أن ربع مستخدميه في اليمن من السيدات، كما تمتلك أغلب النساء اليمنيات حسابات في "تويتر" ومدونات شخصية على الإنترنت، وذلك لأن الشبكة العنكبوتية تمنحهن الإحساس بحرية التعبير ، إضافة إلى إخفاء الهوية.
تقول إحدى الفتيات اليمنيات : " أشعر بقدر من الحرية على الانترنت كصحافية لم أحسه من قبل..في العالم الافتراضي لا يهم إن كنت رجلا أم سيدة فبإمكاني إخفاء ذلك ، إنما المهم هو ماذا أكتب، وكيف يمكنني إجبار المتابع على قراءة ما أكتب ومناقشة أفكاري بعيدا عما إذا كنت رجلا أم إمرأة"..هذه شهادة إحدى اليمنيات اللواتي وجدن ضالتهن في الإنترنت.
وعلاومة على ذلك فإن دور المرأة اليمنية في ثورة 2011 أثبت لأصحاب القرار في وسائل الإعلام أن المرأة يمكن أن تكون جزء من السياسة سواء كانت تصنع الأخبار أو تكتبها.
لا يقتصر الإقبال في اليمن الكبير في اليمن ما بعد الثورة على وسائل الإعلام الإلكترونية (يوتيوب) ومواقع التواصل الاجتماعي فقط، بل تعداها إلى وسائل الاتصال الجماهيري مثل الرسائل القصيرة "sms"، المسارح ، الأغاني ، الفنون والشعر، وكلها وسائل تستخدم للتعبير عن الأوضاع السياسية والآراء العامة.
التوسع الكبيروالفضاءات المفتوحة والمنابر الجديدة تمنح وسائل الإعلام اليمنية فرصا ومخاطر أكثر من ذي قبل، كما تعكس حقيقة الصحافة اليمنية اليوم.
|